تمهيد:
لم يكن مفهوم الذات متداولا بكثرة في أعمال وكتابات علماء النفس في النصف الأول من القرن العشرين، اللهم إذا استثنينا أعمال المحللين النفسيين، وعلى رأسهم فرويد ويونج وآدلر، لأن علماء النفس انطلاقا من العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر الميلادي، وإلى حدود العقد الخامس من القرن العشرين الميلادي، كانوا مغرمين بدراسة الجهاز العصبي، وإجراء التجارب على الدماغ والحواس، وابتكار مقاييس الذكاء الإنساني، ودراسة قوة الإدراك والذاكرة والتخيل، وغير ذلك من الموضوعات التي يمكن إخضاعها للتجارب والمقاييس الكمية. وبعبارة أخرى لم يحظ الجانب الشعوري والبعد الباطني باهتمام أولئك العلماء إلا قليلا. كما همش عالم العاطفة والوجدان والانفعالات، وذلك بسبب التوجه المادي للحضارة الغربية، وكذا بسبب تأثر علماء النفس بمنهج العلوم التجريبية وتبنيهم لتصور وفلسفة هذه العلوم، ذلك التصور الذي لا يعترف بالموضوعات التي يتعذر إخضاعها للتجربة والملاحظة.
ولما ظهرت مدرسة التحليل النفسي على يد سيجموند فرويد في النصف الأول من القرن العشرين، بدأ مفهوم الذات يؤسس مكانه في ميدان علم النفس المعاصر. ولقد انطلقت هذه المدرسة كطريقة لعلاج بعض الأمراض النفسية، ثم أصبحت نظرية ونظاما سيكولوجيا كان له أبلغ الأثر ليس فقط في علم النفس، بل في سائر العلوم والفنون الإنسانية.
اهتمت مدرسة التحليل النفسي اهتماما كبيرا بموضوع الشخصية، وساهمت من خلال أدواتها ومفاهيمها في إرساء مبادئ وقواعد جديدة لفهم هذا الموضوع. ثم إن الأزمات والأمراض النفسية التي انتشرت في المجتمعات الغربية بين الحربين العالميتين، وفي أعقا ب الحرب العالمية الثانية، سواء كانت نتيجة لهاتين الحربين أو نتيجة للطبيعة المادية والآلية المعقدة للحضارة الغربية، أو بسبب غياب عامل الدين وعنصر القيم الإنسانية… هذه الأزمات دعت علماء النفس لكي يتجهوا نحو الشخصية مستهدفين تحليلها وفهمها، ثم البحث عن سبل علاجها، وكذا مساعدة الإنسان على التكيف داخل بيئته الاجتماعية والحضارية. وهكذا برز مفهوم الذات في قائمة المفاهيم النفسية التي تحضى باهتمام كبير من قبل علماء النفس المعاصرين. حتى أصبح هذا المفهوم في العقدين الأخيرين يحتل مكانة الصدارة في الإرشاد والتربية، والعلاج النفسي كما ظهر في السنوات الأخيرة ما يسمى بسيكولوجية الذات.
آليات الذكاء الوجداني أو الانفعالي وعلاقتها بالذات:
يذهب بعض علماء النفس المهتمين بمجال الذكاء الانفعالي إلى أن هذا الذكاء في علاقته بالذات يتجلى أو يتجسد في خمسة مستويات رئيسة:
المستوى الأول: الوعي بالذات أي معرفة انفعالات الذات، ومراقبتها مما يساعد على التحكم والضبط الانفعالي.
المستوى الثاني: إدارة الذات أي التخلص من الانفعالات السلبية، وتحويلها إلى انفعالات إيجابية، وممارسة مهارات الحياة بفاعلية. وإدارة أفعاله وأفكاره ومشاعره بطريقة متوافقة ومرنة.
المستوى الثالث: حفز الذات أي تأ جيل الإشباع. كما يشير إلى الدافعية الذاتية والتحكم في الانفعالات . وهي جوانب هامة للذكاء الوجداني. وتشير إلى القدرة على تنظيم الانفعالات والمشاعر وتوجيهها إلى تحقيق الإنجاز والتفوق، واستعمال المشاعر والانفعالات في صنع أفضل القرارات، وفهم كيف يتفاعل الآخرون مع الانفعالات المختلفة .
المستوى الرابع: التعاطف أي استشعار انفعالات الآخرين أي؛ القدرة على إدراك ما يشعر به الآخر، وهو أمر يستلزم قدرتنا على فهم مشاعرنا أولا، أي القدرة على الوعي بالذات. والتعاطف مهم في السياق الاجتماعي، بين الأزواج والأصدقاء، وفي المجال المهني، كما في علاقة الرئيس بالمرؤوسين، أو العامل بزملائه، فلا بد أن تكون للفرد القدرة والحساسية على قراءة الإشارات الانفعالية للآخر بدقة أولا، قبل أن تتم عملية التعاطف كاستجابة.
المستوى الخامس: التعامل مع الآخرين أي المهارات الاجتماعية. وفي هذا الصدد كتب دانييل جولمان يقول: “معظم الأدلة تشهد على أن الناس الماهرين انفعاليا، الذين يعرفون كيف يتحكمون في مشاعرهم جيدا، والذين يقرؤون بكفاءة مشاعر الناس الآخرين ويحسنون التعامل معها، يكون لهم السبق والتفوق في أي مجال من مجالات الحياة.
د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، تطوان المغرب.
0 تعليقات