قال الدكتور طه جابر العلواني: “إن كلمة جامعة قد أخذت من لفظ الجمع. وإذا كان الجامع قد سمي جامعا لأنه موضع اجتماع الناس لعبادة الله جل شأنه، فإن كلمة جامعة تدل على مكان يجتمع الناس فيه لخدمة العلم المعرفة: كشفا وإنتاجا وتعلما وتعليما، حيث يرتبط مفهوم العلم بالعبادة، ويتصل مفهوم العلم بالعمل".1
يستفاد من هذا الكلام أن العقيدة أمر جوهري في بناء مفهوم الجامعة وكيانها، وما من مجتمع يشق طريقه الحضارية إلا وهو يستحضر ويعي ويمارس عقيدة معينة راسخة تحفز نشاطاته وتحشد طاقاته. كما لا يخفى على أحد أن الجوامع والمساجد هي الفضاءات الأولى التي منها انبثق العلم، حيث كانت تعقد الحلقات العلمية والمجالس الفقهية والأدبية.
إن الغرب رغم علمانيته وتوجهاته المادية الإلحادية، ينطلق من عقيدة فلسفية ثابتة، والتي هي ثمرة قرون من التفكير والبحث والصراع بين العلم واللاهوت الكنيسي.
والقرآن الكريم أعظم خطاب يشتمل على عقيدة نظرية شاملة، قائمة على التوحيد والعبودية لله، والاستخلاف في الأرض، كما تشير من خلال الآيات القرآنية، إلى كل ما يفيد الإنسان ويصلح له في حياته وبعد موته. ومن هنا فإنه يقع على عاتق الجامعات الإسلامية؛ تكوين العلماء بالمفهوم الشامل الذي يربط بين النظر والتطبيق، كما يربط بين السماء والأرض. إذ كل محاولة لبناء الجامعة على أسس حديثة ودون إدماج فعلي لعنصر العقيدة تعتبر محاولة فاشلة، بل فاسدة ومفسدة.
لقد ركز القرآن الكريم على بناء الإنسان، وضبط سلوكه، وأمره بالحركة في الأرض، مستعملا أخلاقيات التقوى والرحمة والعدل والمساواة، وقدم بذلك للبشرية المفهوم الأصيل للحضارة والمدنية.
إن التخلف الفكري الذي يعيشه المجتمع الإسلامي، ناتج أساسا عن غياب نظام عقلي منسجم، وثقافة متماسكة وقناعة فكرية موحدة، وهذا الغياب الخطير نجم عن الانحراف في التصور العقدي لدى المسلم.
وإذا كانت الجامعات والمؤسسات العلمية والتربوية، شبه خالية من حرارة وأثر العنصر العقدي، فكيف نأمل أن تنهض مجتمعاتنا وتتقدم؟
إن الجامعة في الغرب تقوم بدور خطير في عملية بناء وتشكيل ومراجعة فكر الأمة وثقافتها، وحراسة أهدافها الأساسية، وتكوين أجيالها، وتشكيل عقول أبنائها، وتكوين نفسياتهم، بشكل يجعل طاقات الأمة كلها موجهة باتجاه إنتاج النموذج العقلي والنفسي والإنساني، الذي تبنته الأمة. فالجامعات في الغرب على سبيل المثال هي التي تصنع الفكر وتنتجه، وهي التي تقوم بعملية تحليله ونقده واختباره، وهي التي تقوم بعملية غربلة كل ما يطرح وفقا للمناهج العلمية والبحثية التي تبنتها، وهي التي تنزل الأفكار التي تثبت صلاحيتها وانسجامها مع المنهج، واتفاقها مع النموذج المطلوب إلى الواقع، لتتحول على القنوات التربوية والثقافية والتعليمية المختلفة، لتصبح بعد ذلك جزءا من مكونات عقلية الأمة ونفسيتها. وفي الوقت ذاته هي التي تقوم بإعدام وإتلاف الأفكار التافهة، والمميتة أو القاتلة، أو الضارة بحركة الأمة، والحيلولة بينها وبين أن تتسرب إلى عقلية الأمة أو نفسيتها.
إنه لمن الخطأ الفادح الاعتقاد أن العقيدة الإسلامية ستبقى حاضرة ما دامت تدرس في أقسام الدراسات الإسلامية وكليات أصول الدين والشريعة….بل لو تصورنا تدريسها في كل الكليات الطب، والهندسة والقانون…. الخ. لن يكون ذلك مجديا ما لم تهو إليها القلوب، ويظهر أثرها في السلوك وفي رسم الأهداف القريبة والبعيدة، والمثل العليا. إن كل طالب بل كل فرد مسلم، يجب أن يكون لديه علم حيوي بعلوم الشريعة، وشعور وجداني عميق وصادق بعقيدته الإسلامية، مع تمثلها وممارستها، فذلك هو المنهاج المعياري أو منهج الوجود الإسلامي.
1– د. طه جابر العلواني: “الجامعات الإسلامية وبناء علوم الأمة”، مجلة جامعة القرويين العدد 11 1419/1998، ص: 239.
د.عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، تطوان المغرب، جمادى الثانية 1433-أبريل 2012.
0 تعليقات